على ساحل البحر المتوسط، جنوب جبال البيرينيه، تغفو مدينة برشلونة الحالمة هانئة قريرة العين بموقعها المتميز، ومكانتها التاريخية العريقة، وملامحها العصرية الرصينة، تحرسها سلسلة جبال كولسيرولا من الغرب، ويعبرها نهرا لوبريجات وبيسوس فيزيدانها بهجة وجمالاً. 

تعد برشلونة عاصمة كتالونيا، وثاني أكبر مدن إسبانيا من حيث عدد السكان، نظرًا لثِقلها الاقتصادي والمالي، وفي مجالات النشر والفنون والترفيه، لتصبح مدينة عالمية عصرية، تفيض حيوية ونشاطًا. 

تضاريسها التي تجمع بين الجبال والتلال والسهول، ومواقعها المتعددة التي أدرجت على لائحة اليونسكو للتراث العالمي، جعل منطقة كتالونيا، المنطقة الأكثر زيارة في إسبانيا. يقبل عليها الفرنسيون بنسبة تزيد على نصف مجمل السياح الأجانب، ويتوافد عليها عشاق الفن والتاريخ والفنون من كل حدب وصوب. 

تنقسم برشلونة إلى 10 مناطق تنبثق عنها مختلف أحياء المدينة التي تتكئ على الجبل من جهة، وتغازل البحر عبر سواحل ساحرة، من جهة أخرى. يمنحها البحر مناخه المتوسطي المعتدل، وتحميها جبال البيرينيه والمرتفعات المحيطة من الرياح القادمة من شبه الجزيرة الأيبيرية، فتحلو زيارتها في جميع الفصول. 

شارع لا رامبلا 

يمثل شارع لا رامبلا الشريان الرئيس، والممشى المميز لهذه المدينة الساحرة. يربط ميدان كتالونيا، المركز العصبي للمدينة، بمينائها القديم حيث يرتفع عمود كريستوفر كولومبوس. يحيط بجانبي الشارع كثير من المطاعم والمقاهي، وتكثر أكشاك بيع الصحف والزهور والحيوانات، كما تستعرض التماثيل الحية على جادته، مهاراتها في التنكر والتحذلق، للاستيلاء على عقول المارة والفوز بما يجودون به من عملة معدنية. في وسط هذا الشارع الحيوي تقع سوق بوكيريا المغطاة التي يربطها جسر للمشاة مع مركز التسوق الشهير ماري ماغنوم. 

المدينة القديمة 

في قلب المدينة القديمة، يقع الحي القوطي، وهو أقدم حي في المدينة. ويضم بقايا برشلونة الرومانية، وعددًا كبيرًا من مباني القرون الوسطى، ومنها مبنى البلدية. هناك يدلف الزائر إلى ميدان نوفا بِبُرجيه الأسطوانيين اللذين يرجعان إلى العصر الروماني، وكذلك ساحة الملك التي يرجع تاريخها إلى القرن الرابع عشر، وتجسد أحد المحاور المركزية في هذا الحي، وفيها يقف قصر الإقامة الملكية شامخًا. 

تتميز المدينة القديمة التي كانت تطوّقها الأسوار الرومانية، بشوارعها الضيقة، وساحاتها الهادئة، وزواياها الساحرة، ومبانيها القوطية، وقصورها ومنازلها التي تحتل قلب العاصمة الكتالونية. ومنها كازا ديل كونونغس، وبيت بيا ألمونيا، ومبنى كازا دي أردياكا، الذي جرى استخدامه على مر تاريخه في أكثر من وظيفة، بينما تحتضن ساحة سانت جاومي مقر الحكومة الإقليمية ومجلس المدينة. 

فن العمارة الكتالونية 

تمثل برشلونة إشعاعًا ثقافيًا ومعماريًا واسعًا، وقد كانت في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، المركز الرئيس لانبثاق اتجاهات حداثة عمرانية غير مسبوقة، من خلال مهندسين معماريين رواد، مثل جوسيب بويغ كادافالش، ولويس دومينيك مونتانر، وأنطوني غاودي، ورسامين ونحاتين عالميين. 

كما شهدت كتالونيا، في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، حداثة معمارية مدهشة عُرفت بالفن الجديد، مزجت بين المباني الأرستقراطية القديمة، والعمارة الجديدة المميزة، جلبت إليها أجيالاً من الفنانين وعشاق فن المعمار في أوروبا، شدوا إليها الرحال، لينهلوا من معين عبقرية مصمميها العمالقة وتوجهاتهم الرائعة. 

باسيج دي غراسيا 

تجتمع في هذا الشارع، أعمال كبار المهندسين المعماريين الكتالونيين الثلاثة: غاودي، ومونتانر، وكادافالش. وفيه قصران بديعان من العصر الحداثي، أولهما كازا أماتلير، الذي صممه كادافالش في نهاية القرن التاسع عشر وحوَّله من قصر قديم إلى قلعة من عالم الخيال. ودار كازا باتلو، باكورة أعمال أنطوني غاودي، التي تكشف عن عمارته الساحرة. يشكل هذا المعلم الحداثي الفريد بأسقفه الحلزونية، ومداخنه الدوارة، وشرفاته الحديدية الرقيقة، إحدى روائع الفنان العبقري، ويكرّس ابتعاده عن الخطوط المستقيمة، وميله الدائم إلى الأشكال المتموجة والخطوط المتعرجة. 

دائرة غاودي 

تشكل بعض أعمال غاودي المعمارية الأكثر شهرة ما يعرف بدائرة أو حلبة غاودي، التي تمنح انطباعًا واضحًا عن أشهر مواقع المهندس المعماري الذي يجسد أحد أكبر رموز الفن الكتالوني الحديث. 

تأثر غاودي في تصاميمه بأسلوب العمارة الكتالونية القوطية، وبالفنون المعمارية الإسلامية. ومن أهم أعماله: دور كازا ميلا وكازا فيسنس، وكازا باتلو، ومتنزه غويل بارك الأسطوري الذي أرساه غاودي على مرتفعات منطقة غراسيا، حيث تندمج الطبيعة مع الهندسة المعمارية في تناغم فريد يجمع بين المدينة والطبيعة والبحر. استوحى غاودي تصميمه من حدائق المدن الإنجليزية في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، بالإضافة إلى قصر غويل، الذي شيده بطلب من عائلة غويل الصناعية الثرية، على مقربة من شارع لارامبلا، حيث يمكن زيارته ومشاهدة تصاميمه الداخلية الرائعة وواجهته الفاخرة. 

معالم برشلونية 

من المعالم الحديثة المبهرة أيضًا في العاصمة الكتالونية، برج أغبار، الذي صممه المهندس المعماري الفرنسي جان نوفيل، وهو مبنى مخروطي رفيع أصبح رمزًا للمدينة المعاصرة، ويعد ثالث أطول معلم في برشلونة بارتفاع 142 مترًا. يزيد بهاؤه في الليل، بسبب تموج ظلال ألوان الأحمر، والأزرق، والأرجواني البديعة المدمجة في واجهة البرج. 

وفي موقع آخر يمتد متنزه كولسيرولا على مساحة تتجاوز ثمانية آلاف هكتار. جرى إنشاؤه عام 1987، عند سفوح جبال سييرا دي كولسيرولا. أما متنزه سيوتاديلا فيضم المتحف الحالي لعلم الحيوان، ومتحف الجيولوجيا، وشلالاً من تصميم غاودي، وحديقة حيوانات برشلونة. 

وفي شارع لارامبلا تقع دار أوبرا برشلونة التي يرجع تاريخ إنشائها إلى عام 1847، وتعد من أعرق دور الأوبرا في العالم. أما قصر الموسيقا الكتالونية فقد جرى افتتاحه عام 1908، ويعد أحد روائع المعماري الحداثي مونانتر. 

ميناء برشلونة 

تعد برشلونة مركزًا اقتصاديًا كبيرًا، إضافة إلى كونها أحد موانئ البحر الأبيض المتوسط الرئيسة. وقد شهد ميناؤها القديم «بورت فيل» تحولات كبيرة منذ إنشاء «فيلا أوليمبيكا»، أو القرية الأوليمبية التي استضافت دورة الألعاب الأوليمبية عام 1992، حيث أصبحت برشلونة بموجبها النقطة المحورية للسياحة الجماعية الصيفية. شمل ذلك تهيئة السواحل ومدّها بمرافق رياضية، ومؤسسات ثقافية وصحية عصرية، وفنادق فاخرة، لعل أشهرها فندق لا فيلا، ومركز ماري ماغنوم التجاري الفخم، وحوض الأسماك الشهير. 

الرياضة 

تحتل الرياضة مكانة خاصة في قلوب الكتالونيين وبخاصة كرة القدم، إذ لا يمكننا الحديث عن حيوية برشلونة دون ذكر فريقها العريق، نادي برشلونة، النادي الأسطوري والقطب الثاني بين أكثر الأندية شعبية في إسبانيا مع النادي الملكي ريال مدريد، اللذين تمثل مبارياتهما أشهر كلاسيكو في الأرض. ومن الأنشطة الرائعة عند زيارة برشلونة السعي إلى حضور مباراة للنادي الكتالوني في ملعب كامب نو معقل الفريق، وذلك حتى تكتمل رحلة المتعة والسياحة الجميلة في هذه المدينة الحيوية. 

x
You are looking for