فلسطين أون لاين

حرق الأقصى في ذاكرة الشاهد "عمرو".. "سكت البشر فنطق الحجر"

...
النيران مشتعلة في المسجد الأقصى وفي الإطار المتطرف الأسترالي حارق المسجد
القدس المحتلة–غزة/ ربيع أبو نقيرة:

رغم مرور (53 سنة) على ذكرى حريق المسجد الأقصى المبارك في القدس المحتلة، فإن أحداثه ما زالت محفورة في ذاكرة من عايشوها.

ويوافق يوم 21 أغسطس/آب ذكرى جريمة حرق الأقصى بالتاريخ نفسه عام 1969، حين أقدم متطرف من أصل أسترالي يُدعى "دينيس مايكل روهان" على إشعال النيران بالمصلى القِبلي بالمسجد الأقصى.

يومئذ شبّ الحريق بالجناح الشرقي للمصلى الواقع في الجهة الجنوبية للمسجد، والتهم محتوياته كاملة، كما هدد قبّة المصلى الأثرية.

وأكلت النيران الجهة الشرقية للمصلى ودمّرت الفسيفساء والزخارف التاريخية، وامتدت إلى محراب ومنبر صلاح الدين الأيوبي الذي غُطّي بحاجز من الطوب حتى عام 1990 حين تم الانتهاء من ترميمه.

د. جمال عمرو الباحث في شؤون القدس، كان حينها طفلا يبلغ من العمر 11 عاما، لكنه يعي جيدا تفاصيل الجريمة، إذ توجه إلى المسجد جريا على الأقدام مسافة ألفي متر، كما أهل القدس الذين هبوا لإطفاء الحريق.

عمرو يقول لصحيفة "فلسطين": "الحدث محفور في الذاكرة لا يمكن نسيانه، وكنت شاهدا على الجريمة، ورأيت الذعر والذهول في عيون الناس ورَدَّات فعلهم الهستيرية وبكاءهم أمام الحريق الذي اشتعل في المسجد".

ويتابع: "الحزن خيم على الجميع، وهب المقدسيون من كل حدب وصوب إلى المسجد، لكنهم لم يستطيعوا السيطرة على الحريق، بأدواتهم البدائية وملابسهم ومياه الآبار، في ظل تعمد الاحتلال الإسرائيلي منع وصول الإطفائيات إليه وعرقلتها".

ويضيف عمرو: "عدد الأواني التي نقل فيها المقدسيون المياه من الآبار لإطفاء الحريق كانت قليلة جدا"، مشيرا إلى أن المسجد تعافى من الحريق وآثاره بعد نحو 30 عاما، إذ بقيت السقالات منصوبة لمدة تقدر بثلاثة عقود من أجل إتمام أعمال الترميم التي كانت تسير بوتيرة بطيئة جدا وشاقة.

خطط تهويد تدريجية

ويلفت إلى أن الحريق كان حدثا بارزا إلى جانب سلسلة من الحرائق التي استهدفته، موضحا أن الحرائق في المسجد مستمرة في التهامه، وتتمثل باستمرار الاحتلال قتل الفلسطينيين في القدس وإطلاق النار عليهم وتشريدهم وهدم منازلهم ومحاولات تهويد الأقصى والقدس.

ويشير عمرو إلى أن الاحتلال يسير وفق خطط تدريجية لتهويد الأقصى والقدس، قائلا: "انتقل الاحتلال ومستوطنوه من مرحلة إلى أخرى في التهويد، إذ بدؤوا بتنظيم زيارات للأقصى ثم استكشافه ثم السماح بأداء طقوس صامتة، ثم أداء طقوس بتحريك الشفاه، ثم أداء طقوس بصوت عالٍ، ثم السماح برفع علم الاحتلال ثم السماح بطقوس تلمودية ملحمية ثم طقوس صاخبة ثم تنظيم اقتحامات، ثم اقتحامات في أيام الجمع والمناسبات الدينية، ثم نشر مخططات هندسية للهيكل المزعوم، ثم جلب عروض لنقل قبة الصخرة المشرفة".

ويضيف: "انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي بحق المسجد الأقصى والقدس مستمرة شكلا ومضمونا وأفقيا وعموديا، كما أن جميع مكونات كيان الاحتلال من منظمات وأعضاء كنيست ووزراء وحاخامات وغيرهم، يعملون بشكل جاد جدا بهدف استمرار الانتهاكات في الأقصى وتهويده".

ويرى أن الاحتلال تخطى مرحلتي التقسيم الزماني والمكاني للأقصى، إلى مرحلة أخطر وهي أن الهيكل المزعوم قائم وجدانيا، ويتصرف المستوطنون المقتحمون خلال أداء طقوسهم التلمودية وكأن الهيكل موجود، وأقنعوا أنفسهم بأن المسجد الأقصى بالكامل هو الهيكل المزعوم.

ويقول الباحث في شؤون القدس: "بذلك الاحتلال استوفى شروط حرب طاحنة على أساس ديني في المنطقة لا تبقي ولا تذر".

حرب مستمرة

ويلفت إلى أن حربا تهويدية أخرى تدور رحاها في الأقصى، مشيرا إلى أن أشكال التهويد متعددة الأشكال والألوان، وكانت وما زالت مستمرة، ومن ضمنها الحفريات التي دخلت الآن تحت الأقصى.

ويقول: "صمت البشر فنطق الحجر، حيث بدأت تتصدع أركان الأقصى وتسقط الحجارة واحدة تلو الأخرى في مسارات محددة، وهذا يدل على أن الحفريات فعلا دخلت تحت جدرانه الغربية والجنوبية، خاصة أن هناك أماكن يمنع فيها التصوير منعا باتا".

ويتابع: "من يهبط في الأنفاق يكتشف أن هناك أنفاقًا متجهة نحو المسجد مغلقة، وأن العمل يجري فيها ليلا ونهارا، ويُسمع صوت أعمال الحفر بشكل واضح"، لافتا إلى أن الاحتلال يصفي حساباته مع أهل القدس ليلا ونهارا، وهناك مساعٍ دؤوبة للسيطرة على كل متر في القدس المحتلة.

أهل القدس في الواجهة

ويقف أهل القدس في وجه انتهاكات الاحتلال بصدورهم العارية، وهم يتحركون في غابة من البنادق والحواجز الإسرائيلية، إذ يبدعون في تجاوزها وصولا إلى المسجد الأقصى، ورغم ذلك يبقى لديهم طاقة يهتفون من خلالها: "يا أقصى منتا وحيد سيجناك قلوبنا"، وفق عمرو.

ويوضح أن جهود الدفاع عن الأقصى والرباط فيه أصبحت جهودا فردية في القدس والداخل الفلسطيني المحتل، إذ تنشط بين الحين والآخر مبادرات فردية في مدن وقرى الداخل المحتل لتسيير حافلات إلى الأقصى للرباط فيه والدفاع عنه وإنعاش الاقتصاد حوله، قائلا: "رغم أنها أعمال فردية لكنها منظمة ومستمرة، في ظل التنكيل والمحاربة من جانب الاحتلال".

ويتابع عمرو: "نحن نعيش في حالة استثنائية عنوانها الكر والفر، فالاحتلال يحاول قطع شرايين الأقصى وفي المقابل الحريصون على بقاء الأقصى حيًّا يستمرون رباطا ودفاعا وإعمارا للأقصى، حتى إذا وصلوا إلى أبوابه أو الطرق المؤدية إليه يصلون حيث وصلوا، إلى أن يأذن الله أمرا كان مفعولا".

العالم لا يؤمن بالضعفاء

وحول ردود الفعل العالمية تجاه انتهاكات الاحتلال بحق المقدسات، يقول عمرو: "الرأي العام العالمي شيء غير موجود، والعالم الغربي والأمريكي شركاء في سفك الدم الفلسطيني وشركاء في الاعتداء على المقدسات الإسلامية".

ويلفت إلى أن العالم لا يؤمن بالضعفاء، و"ظهر ذلك جليا بعد معركة سيف القدس التي تركت الاحتلال في حالة من الصدمة، إذ كيف لغزة المحاصرة أن تتسبب بصداع للاحتلال؟ وصنع أبناؤها ما يمنع تجول الطيران الإسرائيلي في كل أرجاء فلسطين المحتلة".

ويضيف عمرو: "هم مصدومين من سيف القدس وما زالوا يتجرعون الشعور بطعم الهزيمة، وفي المقابل رفعت منسوب الشعور بالعزة لدى الفلسطينيين في كل مكان وخصوصا أهل القدس والضفة الغربية".

ويكمل بأن "سيف القدس تركت حلاوة في نفوس الفلسطينيين وتركت شعورا بأننا نستطيع التحرك وفعل شيء للوقوف في وجه الاحتلال بصوت مرتفع وهو ما شاهدناه مؤخرا في الضفة الغربية والقدس المحتلة إذ ارتفعت وتيرة أعمال المقاومة ضد الاحتلال".